مصر تعزز نفوذها في القرن الأفريقي من خلال زيارات دبلوماسية واتفاقيات اقتصادية وعسكرية، وتأتي التحركات المصرية في ظل التنافس الدولي والإقليمي المتزايد، وتهدف لتعزيز التعاون في مجالات استراتيجية ومواجهة النفوذ الإثيوبي.
تشهد منطقة القرن الأفريقي، إحدى أكثر المناطق استراتيجية في العالم، تحركات مصرية مكثفة تهدف إلى تعزيز النفوذ السياسي والاقتصادي والأمني للقاهرة في هذه المنطقة الحيوية.
وتأتي هذه التحركات في إطار سعي مصر لتعزيز دورها كقوة إقليمية فاعلة في ظل التنافس الدولي المتزايد على النفوذ في المنطقة.
وتتمثل هذه التحركات في سلسلة من الزيارات الدبلوماسية رفيعة المستوى، أبرزها الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى جيبوتي في أبريل الماضي، والتي تعد الأولى من نوعها منذ عقود.
كما شهدت الفترة الأخيرة زيارات متبادلة بين القادة المصريين ونظرائهم من دول المنطقة، بما في ذلك أوغندا والسودان.
وكشف رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي عن الأهمية الاستراتيجية التي توليها مصر لمنطقة القرن الإفريقي، مؤكداً أن زيارة الرئيس السيسي إلى جيبوتي ركزت على تعزيز التعاون الثنائي في مجالات الطاقة والكهرباء والنقل واللوجستيات والموانئ والصناعة.
وجاءت هذه الزيارة تتويجاً لسلسلة من الاتفاقيات الاقتصادية شملت تأسيس مجلس أعمال مشترك وافتتاح فرع لبنك مصر في جيبوتي.
وتكتسب منطقة القرن الإفريقي، التي تضم دولاً مثل الصومال وجيبوتي وإثيوبيا وإريتريا والسودان، أهمية خاصة بسبب موقعها الاستراتيجي على البحر الأحمر ومضيق باب المندب، حيث تمر حوالي 12% من التجارة العالمية.
وتشهد المنطقة تنافساً دولياً وإقليمياً متزايداً، مع وجود قواعد عسكرية لدول كبرى مثل الولايات المتحدة والصين وتركيا في جيبوتي.
وعلى الصعيد العسكري، كشف رئيس الوزراء المصري عن خطط لنشر قوات مصرية في الصومال ضمن التحالف العسكري “أوسوم” التابع للاتحاد الإفريقي، وذلك دعماً لاستقرار الصومال ومحاربة حركة الشباب الإرهابية.
كما تناول مدبولي الزيارة التي قام بها رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى القاهرة، مؤكداً على التنسيق المستمر بين البلدين لدعم استقرار السودان.
وتأتي هذه التحركات المصرية في سياق التوترات المستمرة مع إثيوبيا حول سد النهضة، حيث تسعى القاهرة إلى تعزيز تحالفاتها مع دول المنطقة لمواجهة النفوذ الإثيوبي.
وقد تجلى ذلك في توقيع مصر اتفاقية عسكرية مع الصومال في 2024 تشمل تدريب القوات الصومالية، وذلك في أعقاب توقيع إثيوبيا اتفاقية مثيرة للجدل مع إقليم صوماليلاند المتمرد.
ولا تقتصر أولويات مصر في المنطقة على الجانب السياسي والعسكري، بل تمتد إلى الجانب الاقتصادي، حيث تسعى للسيطرة على ميناء دوراليه في جيبوتي الذي يتعامل مع 95% من التجارة الإثيوبية، مما يمنحها نفوذاً استراتيجياً في مواجهة أديس أبابا.
ويظل أمن منطقة البحر الأحمر على رأس أولويات مصر، خاصة في ظل الهجمات الحوثية من اليمن التي أثرت سلباً على حركة الشحن في قناة السويس.
وقد دعت مصر بالتعاون مع دول مثل الصومال وجيبوتي إلى جهود دولية مشتركة لتأمين الملاحة في هذه المنطقة الحيوية.
وتؤكد هذه التحركات المكثفة للقاهرة في منطقة القرن الإفريقي رؤية مصر الاستراتيجية الرامية إلى تعزيز نفوذها كقوة إقليمية محورية قادرة على مواجهة التحديات وتسخير الفرص في هذه المنطقة الحيوية التي تشهد تنافساً دولياً متزايداً.
الخرطوم وواشنطن تفشلان في تمهيد الطريق لمحادثات جنيف المرتقبة