14 مايو 2025

رغم الأجواء المشحونة والتوتر السياسي والعسكري غرب ليبيا، يبرز اللقاء المرتقب بين الدبيبة وحماد كفرصة لإنهاء الانقسام بين حكومتي الشرق والغرب، ويمكن أن يشكل هذا التطور تحولاً لمسار الأزمة الليبية المستمرة منذ أكثر من عقد.

فشلت ليبيا منذ انتهاء حكم معمر القذافي عام 2011 في بناء مؤسسات مستقرة، وتطورت حالة الانقسام  بعد انتخابات 2014، فمع انتهاء ولاية حكومة طرابلس الحالية ظهرت مؤسستان تنفيذيتان تتنافسان على الشرعية في البلاد، كما طفت على سطح النشاط السياسي محاولات عديدة لإنهاء هذا الانقسام، من بينها اتفاق الصخيرات في 2015 واتفاق جنيف في 2021، لكن هذه التحركات فشلت في التأسيس لشرعية موحدة، وأدى فشلها إلى تكريس الأمر الواقع القائم على المحاصصة، وانتشار السلاح في الغرب الليبي إضافة للاضطراب الاقتصادي الذي أثر على حياة المواطن الليبي.

ورغم أن الحرب الواسعة بين الشرق والغرب تبدو مستبعدة وفق المؤشرات والتوازنات المحلية، لكن عودة التوترات الميدانية، بالتوازي مع تحركات غير مفهومة للمليشيات العسكرية في الغرب، تشير إلى أن الاحتقانمازال قائماً ويجعل من احتمال لقاء دبيبة مع  حماد فرصة لتخفيف التوتر على الأقل وفتح مسار سياسي مختلف عن كلما سبقه..

لقاء على صفيح ساخن

يأتي احتمال عقد لقاء بين رئيسي حكومة الغرب منتهية الولاية، وحكومة الشرق التي عينها مجلس النواب محاولة لكسر الجمود، والاقتراح صدر عن حماد، وهو مرتبط بحزمة إصلاحات اقتصادية، فالرهان على هذه المحاولة لفتح بوابة المصالحة أمر مستبعد، ورغم ذلك فإن الدبيبة لم يظهر حماساً لمقترح حماد، وهوما جعل اللقاء احتمالاً فقط يحتاج لجهود سياسية إضافية، لكن التركيز على هذا اللقاء رغم أنه مازال مبادرة، مدفوعة هذه المرة بضغوط اقتصادية خانقة، وتدهور غير مسبوق في الوضع المالي، وصل حد خفض سعر صرف الدينار بشكل اضطراري، وارتفاع الدين الموازي، فضلا عن تعثر رواتب الموظفين وتأخر إعداد الميزانية الموحدة.

كما أن اللقاء ليس مبادرة دبلوماسية عابرة، بل نتيجة جهود مباشرة من محافظ مصرف ليبيا المركزي، ناجي عيسى، الذي التقى بكل من الدبيبة وحماد، مؤكداً ضرورة تنسيق الجهود المالية والنقدية، والدفع نحو إصلاحات عاجلة، حيث أعرب حماد عن “الترحيب الكامل” بلقاء الدبيبة، مشدداً على أولوية “تغليب مصلحة الوطن” و”رفع المعاناة عن المواطن”، والواضح أن الدافع الأساسي الذي يقرّب بين الحكومتين ليس الرغبة السياسية المجردة، بل الخطر الاقتصادي الداهم؛ في ظل غياب ميزانية موحدة منذ سنوات، واستمرار “الإنفاق المزدوج”، حيث باتت الدولة الليبية في حالة شلل مالي حقيقي.

وكان حماد أعلن في وقت سابق عن حزمة إصلاحات اقتصادية؛ تتضمن إعادة هيكلة قطاع النفط، وتنظيم سوق الصرف وتوحيد سياسة الإنفاق، وربط تنفيذ هذه الإجراءات بالاتفاق مع حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية، وتوحيد المؤسسات المالية، في المقابل، شدد محافظ المصرف على ضرورة اتخاذ قرارات “جريئة”، محذراً من سيناريوهات انهيار اقتصادي إن استمر الانقسام، والضغوط التي تدفع نحو إيجاد مخرج سياسي – اقتصادي لا تأتي من الداخل فقط، فالبعثة الأممية أكدت استعدادها لتيسير الحوار، بينما تتنافس قوى مثل فرنسا وإيطاليا ومصر وتركيا على لعب أدوار محورية في رسم ملامح ليبيا ما بعد الاتفاق.

عقبات ثقيلة وإرث من الشك

ضمن قراءة المسار الصعب الذي يمكن أن يجمع حماد ودبيبة على طاولة واحدة؛ فإن التحديات الكثيرة تظهر وأولها غياب الثقة بين الطرفين، وخصوصاً الأجهزة الحكومية التابعة لهما، إضافة للانقسامات التي لا تقتصر على السياسيين في الغرب الليبي، بل تتغلغل في المجتمعات المحلية والقبلية، ففي مصراتة مثلاً هناك رفض واسع للتعامل مع أي كيان مدعوم من الشرق الليبي، ومن جانب آخر تلعب التدخلات الخارجية دوراً معرقلاً أيضاً،فالقوى الإقليمية والدولية المنخرطة في الملف الليبي لا تسعى بالضرورة للوحدة، بل لمناطق نفوذ، كما أن مشاريع التسوية غالباً ما تصطدم بمصالح متجذّرة في الاقتصاد السياسي للحرب والانقسام.

في خلفية المشهد طُرح اسم عبد الكريم مقيق، العالم النووي الليبي، كمرشح توافقي لرئاسة حكومة جديدة، فزيارته لواشنطن ولقاؤه بأعضاء من الكونغرس الأمريكي أثارا تكهنات حول نية الإدارة الأمريكية الدفع باتجاه شخصية “محايدة” ذات قبول دولي، لكن التقديرات المحلية متحفظة، فهناك شكوك في جدوى ترشيح شخصية من خارج المنظومة السياسية الحالية دون توافق حقيقي بين الفرقاء المحليين، فليبيا حسب بعض الآراء ليست في حاجة إلى أسماء جديدة بل إلى آلية واضحة تنهي الصراع وتعيد بناء مؤسسات الدولة، ويظهر اقتراح “مقيق” العالم النوويكطرح عابر لا يتم التعامل معه ضمن الدوائر السياسية العليا على أنه يمكن أن يتحول إلى مرشح حقيقي فهو مجرد تكهنات إعلامية.

إلى أين تتجه ليبيا؟

تبدو السيناريوهات المستقبلية مفتوحة في ظل المبادرة المطروحة اليوم، خصوصاً أن انعقاد هذا اللقاء لم يتأكد بعد، فكل المؤشرات السياسية لا تقدم أي رغبة لدى الدبيبة في تسليم السلطة، فأكثر التوجهات تفاؤلاً لا تصل إلى توقع نجاح اللقاء وتشكيل حكومة انتقالية موحدة، فالسيناريو المثالي الذي يمكن أن يمهّد لانتخابات برعاية أممية، ويعيد الشرعية السياسية إلى صناديق الاقتراع مازال مستبعداً، في المقابل فإن فشل اللقاء وهو أمر وارد سيؤدي لتصاعد التوتر، وربما يعيد البلاد إلى مواجهة مسلحة، خاصة في مناطق تماس مثل طرابلس وسرت.

السيناريو الأخير هو ظهور اتفاق هش ومؤقت لا يغير شيئاً على الأرض، ويبقي على الانقسام الفعلي، وبشكل يفاقم الأزمة مع الوقت، فـ”الدبيبة” لا يمتلك سلطة مطلقة في الغرب الليبي، ولكن المسألة ليست مجرد احتمالات لهذا اللقاء، فهو في النهاية يشكل تحولاً في النظر إلى الأزمة الليبية، وأثره لن يُقاس بمجرد عقده، بل بنتائجه العملية وبكسر القواعد السياسية القائمة حالياً، فالليبيون سئموا الوعود والمبادرات الشكلية، ما يريدونه هو دولة فاعلة وخدمات مستقرة وعدالة في توزيع الموارد، ولا أحد ينتظر معجزة من اللقاء، لكن الجميع يتطلّع إلى خطوة حقيقية لكسر الدائرة المغلقة.

بقلم: نضال الخضري

رمضان في ليبيا.. مائدة غنية بالتقاليد والطابع الروحاني

اقرأ المزيد