ليبيا تواجه واحدة من أخطر أزماتها الاقتصادية في تاريخها المعاصر، وسط تصاعد المؤشرات النقدية والمالية التي تهدد بانزلاق البلاد نحو مرحلة حرجة يصعب الخروج منها دون إصلاح جذري وشامل.
وفي محاولة لاحتواء الضغوط على الاحتياطيات النقدية، خفّض مصرف ليبيا المركزي في مطلع أبريل الجاري قيمة الدينار بنحو 13%، مع الإبقاء على ضريبة بنسبة 15% على النقد الأجنبي، وتشديد القيود على تحويلات الدولار، في ظل غياب أدوات السياسة النقدية التقليدية.
وحذّر الخبير الاقتصادي محمد بن يوسف من انعكاسات هذا القرار على دخول الأفراد، مؤكداً أن الضرر يمتد إلى أصول المصرف المركزي نفسه، والشركات العامة والخاصة، وحتى المدخرات، معتبراً أن الاستمرار في هذه السياسات دون معالجة حقيقية سيقود البلاد إلى حلقة مفرغة من الانكماش والفقر.
ودعا إلى وقف تمويل العجز الناتج عن إنفاق حكومي غير منضبط، وإعادة ترتيب أولويات السياسة النقدية.
ومن جهته، عبّر المحلل المالي إدريس الشريف عن قلقه من استمرار تمويل عجز الميزانية دون اعتماد قانون رسمي للميزانية العامة، مشيراً إلى أن الحكومة تجاوزت قاعدة “1/12” المعتمدة قانونياً، وتساءل عن الأسس الحقيقية التي يستند إليها المصرف المركزي في إدارة ملفي التمويل وسعر الصرف.
وانتقد الشريف قرار تخفيض الدينار، واصفاً إياه بـ”المسكن المالي”، الذي يدفع المواطن كلفته المباشرة عبر التضخم وغلاء المعيشة، محذراً من أن هذا النهج يفتح الباب لمزيد من التخفيضات في قيمة العملة الوطنية.
ونبّه أستاذ الاقتصاد بجامعة مصراتة عبد الحميد الفضيل إلى خطورة استمرار الإنفاق المزدوج من قبل الحكومة المكلفة من البرلمان، ما يزيد الضغط على السيولة ويرفع احتمالات تخفيض إضافي للدينار الليبي في الفترة المقبلة.
وأما الخبير حسين البوعيشي، فقد حذر من دخول ليبيا في حلقة تضخمية خطيرة مع استمرار الاستدانة وتزايد العجز، خاصة مع انخفاض أسعار النفط عالمياً، وهو ما يهدد قدرة الدولة على تأمين الرواتب والالتزامات الأساسية، ودعا إلى تبني سياسات اقتصادية مدروسة بدلاً من المعالجات المرتجلة، التي تفتقر إلى الاستدامة.
وفي هذا السياق، شدد صندوق النقد الدولي على ضرورة توحيد الميزانية العامة كأولوية عاجلة، وتقليص الإنفاق الجاري، لاسيما في بابي الرواتب والدعم، مع تنفيذ إصلاحات تدريجية تشمل إعادة هيكلة الأجور، وترشيد الدعم، وتنمية الإيرادات غير النفطية، لضمان استقرار الوضع المالي على المدى المتوسط والطويل.
وتظهر آخر بيانات مصرف ليبيا المركزي أن الدين العام بلغ نحو 125% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما تجاوز الإنفاق العام نسبة 165% من إجمالي الدخل الوطني، ما يعكس حجم الخلل المتفاقم في المالية العامة، ويضع البلاد أمام مفترق طرق اقتصادي حاد.
رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية يدعو إلى الابتعاد عن النهج المرتكز على الأمن في التعامل بين أوروبا وإفريقيا