وفد يضم 30 نائباً من البرلمان الفرنسي ومجلس الشيوخ، وصل إلى الجزائر للمشاركة في إحياء الذكرى الثمانين لـ”مجازر 8 مايو 1945″ التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في الشرق الجزائري.
ويرى البعض في الزيارة بادرة انفتاح، لا يتوقع المتشائمون منها أن تُحدث اختراقاً ملموساً في العلاقات الجزائرية – الفرنسية التي تمر بواحدة من أسوأ مراحلها منذ عقود.
ويتكون الوفد الذي وصل مساء الأربعاء، من أعضاء ينتمون لأحزاب اليسار والوسط الفرنسي، بينما غاب عنه نواب اليمين واليمين المتطرف، في دلالة فسّرها مراقبون بأنها تعكس انتقائية جزائرية واضحة في التعامل مع الطيف السياسي الفرنسي.
وأكد برلماني جزائري فضّل عدم ذكر اسمه، أن الجزائر لم تكن لتمنح تأشيرات لأي نائب يميني متطرف، مشيراً إلى أن هؤلاء لعبوا دوراً سلبياً في تأجيج الخلافات.
وشارك أيضاً أن عدداً كبيراً من النواب الفرنسيين في الزيارة المنحدرين من أصول جزائرية، وينتمون لعائلات مهاجرة استقرت في فرنسا خلال سبعينات وثمانينات القرن الماضي.
كما أشار البرلماني الجزائري إلى أن مجلس الشعب الجزائري، بغرفتيه، لم يكن طرفاً في تنظيم الزيارة، مما يلمّح إلى أنها تمّت بترتيب من مستوى رئاسي أعلى.
وتأجّجت الخلافات بين الجزائر وباريس منذ يوليو 2023، بعد ما اعتبرته الجزائر “اعترافاً فرنسياً ضمنياً” بمغربية الصحراء الغربية، الأمر الذي قاد إلى سحب السفير الجزائري من باريس، وإلغاء زيارة كانت مقررة للرئيس عبد المجيد تبون إلى فرنسا.
وتوسّعت رقعة التوتر لاحقاً لتشمل ملفات الهجرة، والعنصرية، و”قضية الذاكرة”، حيث تطالب الجزائر باعتراف فرنسي رسمي بأن استعمارها كان “جريمة ضد الإنسانية”.
وبلغت الأزمة ذروتها الشهر الماضي بعد سجن ثلاثة موظفين قنصليين جزائريين في فرنسا بتهمة احتجاز معارض جزائري شهير.
وردّت الجزائر بطرد 12 دبلوماسياً فرنسياً، وتبعتها باريس بالإجراء نفسه، قبل أن تستدعي سفيرها من الجزائر، لتدخل العلاقات الثنائية حالة جمود فعلي.
وقال الصحافي الجزائري المستقل علي بوخلاف إن مشاركة نواب من مجلس الشيوخ الفرنسي في الزيارة تشي بأن الجزائر مستعدة لإنهاء القطيعة، معتبراً أن “استقبال هذا الوفد هو رسالة مفادها أن الجزائر لا ترفض فرنسا كلياً، بل ترفض فئة سياسية محددة فقط، في مقدمتها اليمين المتطرف”.
وحذّر بوخلاف من الإفراط في التوقعات، قائلاً إن “الدبلوماسية البرلمانية لا يمكن أن تحل محل القنوات الرسمية في ظل وجود ملفات قضائية عالقة”.
وأشار بوخلاف إلى أن باريس تشترط، من جهتها، الإفراج عن الكاتب الفرنسي – الجزائري بوعلام صنصال، المحكوم عليه بالسجن خمس سنوات بتهمة “المسّ بوحدة البلاد”، كشرط لتطبيع العلاقات.
كما أن الجزائر ما زالت تصر على إطلاق سراح موظفيها القنصليين الثلاثة، رغم رفض باريس “التدخل في عمل القضاء”.
ورأى بوخلاف أن هذه الزيارة قد تشكّل “عربون نوايا حسنة” من الطرفين لإعادة العلاقات إلى مسارها الطبيعي، ولو ببطء، مضيفاً: “هي محاولة للعودة إلى ما قبل أزمة أبريل الماضي، حين أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو عن طيّ صفحة الخلافات، قبل أن تنفجر الأزمة مجدداً”.
الجزائر تطلق أول مناقصة نفطية وغازية كبرى منذ عام 2014