14 مايو 2025

أثارت تصريحات وكيلة وزارة العدل السودانية حول التعامل مع “المنهوبات المتشابهة” جدلاً واسعاً، حيث تشمل الممتلكات المنهوبة أنابيب غاز وثلاجات، بينما يناقش المحامون دور القانون الدولي في تحديد حقوق الملكية لمثل هذه الممتلكات.

تشهد الأوساط القانونية والسياسية في السودان جدلاً واسعاً إثر تصريحات مسؤولة رفيعة في وزارة العدل حول فتوى قانونية مرتقبة تتعلق بـ”المنهوبات المتشابهة”، مما أثار مخاوف من أن تؤسس هذه الخطوة لسابقة قانونية في بلد لا يزال يعاني من تبعات حرب مدمرة.

وكشفت وكيلة وزارة العدل ورئيسة القطاع القانوني، هويدا علي عوض الكريم، عن تقارير رسمية واردة من ولاية الخرطوم تفيد بوجود كميات كبيرة من الممتلكات المنهوبة داخل المخازن، تشمل أنابيب غاز وثلاجات وشاشات وأصنافاً أخرى.

وأوضحت أن السلطات المحلية تعاملت مع هذه الممتلكات بشكل متفاوت، حيث اعتبرتها بعض الولايات “مهملات”، بينما قامت أخرى ببيعها وتحويل عائداتها إلى صندوق التعويضات، في غياب رؤية موحدة.

وأضافت أن وزارة العدل أحالت الملف إلى المحامي العام لإصدار فتوى قانونية ملزمة تحدد الإجراء الموحد للتعامل مع هذه المنهوبات في جميع الولايات، مؤكدة أن القطاع القانوني يدرس الملف بشكل شامل تمهيداً لإصدار قرار يستند إلى الأطر القانونية السودانية والدولية.

ولم تمر هذه التصريحات مرور الكرام، حيث أثارت عاصفة من الجدل في الأوساط القانونية وعلى منصات التواصل الاجتماعي، مع تصاعد الأسئلة حول: “من يملك هذه المنهوبات؟ وهل يحق للدولة بيعها؟ وما المعيار الذي يُصنّف على أساسه الممتلكات على أنها منهوبة أو مهملة؟”

في هذا السياق، أوضح المحامي السوداني البارز وأحد مهندسي الوثيقة الدستورية لعام 2019، ساطع الحاج، أن “النهب ليس مجرد جريمة جنائية محلية، بل هو جريمة موصوفة في القانون الدولي الإنساني”.

وأضاف أن “المال المنهوب هو كل مال منقول أو ثابت تم الاستيلاء عليه بالإكراه دون رضا مالكه، وبنية التملك أو التصرف فيه”، مشيراً إلى أن هذا التعريف ينص عليه القانون الدولي، بما في ذلك المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي يعتبر النهب أثناء النزاعات المسلحة “جريمة حرب”.

كما أكد الحاج أن القانون الجنائي السوداني يُجرّم النهب صراحةً ويعاقب عليه بعقوبات قاسية، مشدداً على أنه “لا يجوز للدولة اكتساب ملكية الأموال المنهوبة، لأن التملك لا يتم عبر النهب، وهو فعل غير مشروع”.

وخلص إلى أن “الدولة لا يمكنها اعتبار نفسها صاحبة ولاية على هذه الممتلكات، ولا يحق لها بيعها أو تحويل عائداتها إلى أي صندوق، بما في ذلك صندوق التعويضات”.

واعتبر الحاج أن حل هذا الملف المعقد لا يمكن أن يتم عبر فتوى قانونية فقط، قائلاً: “الوضع على الأرض شديد التعقيد، فنحن أمام أطنان من الممتلكات المنهوبة، بعضها يعود لأفراد والآخر لمؤسسات حكومية أو خاصة”.

وأكد أن التعامل معها يتطلب تشكيل لجان وطنية متخصصة تعمل على تتبعها وإعادتها إلى أصحابها، مع ضمان محاسبة المسؤولين عن عمليات النهب.

كما أشار إلى وجود أبعاد سياسية للموضوع، محذراً من أن “أي قرارات تتخذ تحت عنوان إزالة الركام أو دعم إعادة الإعمار قد تواجه معارضة قانونية وشعبية إذا لم تراعِ الجوانب الحقوقية والإنسانية”.

حيث استشهد الحاج بعدة تجارب دولية للتعامل مع الممتلكات المنهوبة بعد الحروب، موضحاً أنه “في البوسنة والهرسك بعد حرب 1992-1995، تم تشكيل لجان لإعادة الأموال والممتلكات إلى المواطنين، وليس لصالح الدولة”.

كما أشار إلى تجارب مماثلة في رواندا بعد الإبادة الجماعية عام 1994، وفي سيراليون وليبيريا بعد الحرب الأهلية.

أما في العراق، فقد شُكلت لجان خاصة بعد سقوط نظام صدام حسين لاستعادة أموال الدولة المنهوبة، دون التعامل معها كممتلكات مهملة أو قابلة للبيع.

واختتم الحاج حديثه بالتحذير من أي إجراءات متسرعة قد تفاقم الأزمة، قائلاً: “إذا مضت الدولة في اتجاه بيع الأموال المنهوبة وتخصيص عائداتها، فستواجه معارضة شديدة من المواطنين، لأن الأمر يتعلق بحقوق ضحايا فقدوا كل شيء في حرب ضروس”.

وأكد أن “الفتوى القانونية لا يجب أن تكون مبرراً لشرعنة ما لا يجوز شرعنته”.

ويذكر أن السودان يشهد منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع انهياراً مؤسسياً وأمنياً غير مسبوق، رافقته عمليات نهب واسعة طالت الممتلكات العامة والخاصة.

وتحولت العاصمة الخرطوم ومدن أخرى إلى ساحات للفوضى، حيث نُهبت المنازل والأسواق والمقرات الحكومية، مما خلق أزمة قانونية وأخلاقية حول مصير هذه الممتلكات وكيفية التعامل معها بعد استعادتها.

مبادرات لدعم اللاجئين الفارين من حرب السودان إلى ليبيا

اقرأ المزيد