مجلس النواب الليبي صعّد من جديد مواجهته مع حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، متّهماً إياها بـ”تسييس” ملف الطاقة واستخدامه “كورقة للمساومة من أجل البقاء كسلطة أمر واقع”.
وليست هذه المرة الأولى التي يوجّه فيها المجلس أو إحدى لجانه انتقادات لاذعة إلى حكومة الدبيبة، التي سبق أن سحب منها الثقة بعد تسعة أشهر فقط من توليها السلطة.
وقد جاء التصعيد هذه المرة عبر لجنة الطاقة والمواد الطبيعية بالمجلس، التي أصدرت بياناً شديد اللهجة بعد زيارة وفد من حكومة الدبيبة إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، حيث عقد لقاءات مع مسؤولين كبار بوزارة الخارجية الأمريكية.
وأدانت لجنة الطاقة ما وصفته بـ”المحاولات العبثية” لحكومة الدبيبة بالتدخل في ملف الطاقة، محذرة من المساس باستقلال المؤسسة الوطنية للنفط، التي اعتبرتها الجهة الوحيدة صاحبة الاختصاص الأصيل.
وقال رئيس اللجنة، عيسى العريبي، إنهم تابعوا إرسال الحكومة منتهية الولاية وفداً إلى واشنطن، في محاولة لترويج سياساتها المتعلقة بزيادة معدلات الإنتاج وعقد منتدى للغاز في طرابلس في نوفمبر 2025، بالإضافة إلى قمة ليبيا للطاقة في يناير 2026.
وجاءت هذه الاجتماعات بعد زيارة البارجة الحربية الأمريكية “ماونت ويتني” إلى ليبيا، والتي رافقها وفد عسكري أمريكي رفيع بقيادة قائد الأسطول السادس للبحرية الأمريكية، جي تي أندرسون، وأجرى لقاءات في طرابلس وبنغازي، مما أضفى على زيارة وفد الدبيبة طابعاً أكثر حساسية.
وانتقدت اللجنة استمرار حكومة الدبيبة في التحرك الخارجي رغم بقائها “كسلطة أمر واقع” لمدة تقارب الأربع سنوات، متهمة إياها بتجاهل مطالب المؤسسة الوطنية للنفط بالحصول على التمويلات اللازمة لمعالجة وتأهيل البنية التحتية النفطية لزيادة الإنتاج.
وفي المقابل، أوضحت حكومة الدبيبة أن وفدها ناقش مع كبار مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية ملفات سياسية واقتصادية تهم البلدين، وعلى رأسها تطوير قطاع الطاقة وتعزيز التعاون الثنائي.
وشددت الحكومة على أن الاجتماع، الذي حضره تيموثي ليندركينج، المسؤول الأول لشؤون الشرق الأدنى بوزارة الخارجية الأمريكية، والمبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، تناول جهود زيادة إنتاج النفط والغاز لمواكبة الطلب العالمي.
كما أشارت الحكومة إلى أن اللقاءات تناولت الأوضاع الإقليمية والدولية، والتحديات الاقتصادية، مؤكدة التزامها بالشفافية والإفصاح وتحسين إدارة الموارد العامة لدفع عجلة التنمية.
وضم وفد حكومة الوحدة وزير النفط والغاز المكلف خليفة عبد الصادق، بالإضافة إلى مسؤولين آخرين، بينهم مصطفى المانع، رئيس الفريق التنفيذي لمبادرات الرئيس وعضو مجلس إدارة المؤسسة الليبية للاستثمار.
وشملت اللقاءات اجتماع وزير النفط المكلف مع مسعد بولس، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي، لبحث تعزيز الشراكات الليبية-الأمريكية في مجالات النفط والغاز والطاقة المتجددة.
وبحسب حكومة الوحدة، استعرض الوزير خلال الاجتماعات خطط زيادة الإنتاج النفطي ورفع معدلات تصدير الغاز لدعم استقرار الإمدادات العالمية، كما ناقش الجانبان سبل الاستثمار المشترك في مشاريع الطاقة النظيفة وتنويع مصادر الطاقة.
وفي سياق مواز، أعلنت حكومة الدبيبة توقيع مذكرة تفاهم مع البنك الدولي في واشنطن، بهدف تعزيز الدعم الفني والاستشاري، وبناء القدرات المؤسسية في ليبيا، ورأت الحكومة أن هذه المذكرة، التي جاءت تتويجاً لاجتماع رئيس الحكومة مع نائب رئيس البنك الدولي عثمان ديون في فبراير 2025، تمثل خطوة بارزة نحو استئناف التعاون المباشر مع البنك الدولي بعد أكثر من عقد من التوقف.
وقالت الحكومة إن المذكرة تستهدف دعم ليبيا في مجالات إصلاح المالية العامة، والتحول الرقمي، وتعزيز القطاع الخاص، وتحسين بيئة الأعمال، فضلاً عن برامج تمكين الشباب من خلال التدريب والتوظيف في مؤسسات البنك الدولي.
وعلى الرغم من التحركات الحكومية، كرر رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، دعواته للمؤسسات والشركات العامة بعدم تقديم الأموال لحكومة الدبيبة، متوعداً المخالفين بالمساءلة القانونية، إلا أن هذه التهديدات لم تجد طريقها إلى التنفيذ العملي حتى الآن.
وتتسع يوماً بعد يوم الهوة السياسية بين البرلمان والدبيبة، الذي اتهم مجلسي النواب و”الدولة” بتعطيل الانتخابات، قائلاً إنهما “اختلفا في كل شيء واتفقا على التمديد لأنفسهم وتعطيل الاستحقاقات الانتخابية”.
وفيما اتهم مجلس النواب وحكومته الموازية حكومة الوحدة بإهدار المال العام، مشيرين إلى أن خطواتها الخارجية “لا تعبر عن الإرادة الوطنية”.
واختتمت لجنة الطاقة في بيانها بتذكير جميع الأطراف والشركاء الدوليين بقرار مجلس النواب القاضي بسحب الثقة من حكومة الدبيبة، وبقرارات مجلس الأمن الدولي الداعية إلى حماية استقلال المؤسسة الوطنية للنفط، محذرة من مغبة استغلال ملف الطاقة سياسياً بما قد يهدد استقرار البلاد.
ليبيا تستعرض جهودها في توثيق الحدود