14 مايو 2025

جولة التصعيد السياسي التي تشهدها ليبيا جولة جديدة بين المجلس الرئاسي بقيادة محمد المنفي ومجلس النواب برئاسة عقيلة صالح، ليست جديدة لكنها تعيد طرح ما بات يُعرف بـ”أزمة الصلاحيات” من جديد وتفاقم الصراع على الشرعية.

التوتر المتفاقم الذي ظهر على الحياة السياسية الليبية ليس وليد اللحظة، بل يعكس تراكما لصراع طويل حول المرجعيات القانونية، وحدود السلطات ومشروعية المؤسسات الانتقالية في بلد يعاني من انقسام سياسي مزمن، ففي نهاية أبريل 2025، أصدر المجلس الرئاسي الليبي ثلاثة مراسيم مثيرة للجدل:

  1. إلغاء قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر عن مجلس النواب عام 2023.
  2. تشكيل المفوضية الوطنية للاستفتاء والاستعلام الوطني.
  3. إطلاق آلية انتخاب المؤتمر العام للمصالحة الوطنية.

واستند المجلس الرئاسي في قراراته إلى ما اعتبره صلاحيات ممنوحة له بموجب مخرجات ملتقى الحوار السياسي (جنيف 2020)، وبناء على حكم قضائي صادر عن الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا يقضي بعدم دستورية القانون الذي أنشأ المحكمة الدستورية الجديدة.

ردود الفعل

جاء رد الفعل مجلس النواب على قرارات المجلس الرئاسي حادا، حيث اعتبر رئيس المجلس، عقيلة صالح، أن هذه المراسيم تُعد “تغولا على السلطة التشريعية” و”ممارسات من جهة منتهية الولاية”، وتبنّى الموقف ذاته رئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب، أسامة حماد، الذي أكد أن المجلس الرئاسي “لا يملك صلاحية إلغاء القوانين”، وأن المنفي “منتحل صفة دستورية”.

واللافت في الخلاف الأخير هو الانقسام داخل المجلس الرئاسي ذاته؛ حيث خرج العضو عبدالله اللافي ليعلن أن هذه القرارات “صدرت بشكل فردي”، مؤكدا أن إصدار المراسيم يتطلب توافقا جماعيا داخل المجلس، وأن أي قرار منفرد “يُعد والعدم سواء”.

تحليل قانوني وسياسي

يتمحور جوهر الخلاف حول الصلاحيات التشريعية والتنفيذية في المرحلة الانتقالية، وبحسب الإعلان الدستوري واتفاق الصخيرات وملحقاته، فإن السلطة التشريعية في ليبيا تظل حصرا في يد مجلس النواب، بينما يتولى المجلس الرئاسي دورا تنفيذيا ومشرفا على سير القرارات التنفيذية، ويقوم أيضا على التمثيل الخارجي والمهام المحددة.

لكن المجلس الرئاسي، وتحديدا محمد المنفي، يحاول توسيع دائرة نفوذه، مستندا إلى حالة الغياب العملي للتوافق الوطني، وتباطؤ مجلس النواب في إنجاز الاستحقاقات الانتخابية، لا سيما الاستفتاء على الدستور وانتخاب السلطات الجديدة، وفي المقابل، يرى مجلس النواب أن هذه المحاولات هي تعدٍ صريح على اختصاصاته، وخرق لمبدأ الفصل بين السلطات، بل وتهديد لوحدة البلاد، خاصة مع قيام المجلس الرئاسي بإلغاء قانون قضائي صادر عن البرلمان.

لكن أحد أكثر النقاط المثيرة للجدل تجلت بالاستناد إلى حكم المحكمة العليا لإلغاء قانون المحكمة الدستورية، فمجلس النواب يرفض هذا الحكم، ويعتبر أن الجهة التي أصدرته – الدائرة الدستورية – لم تعد مختصة بعد إقرار قانون المحكمة الدستورية العليا الجديد، الذي سحب منها هذا الاختصاص، كما صدر عن محكمة جنوب بنغازي الابتدائية حكم قضى بعدم قانونية ذلك الحكم، ما زاد من تعقيد المشهد، وكشف عن انقسام قضائي موازٍ للانقسام السياسي.

دوافع المجلس الرئاسي

عمليا فإن توقيت إصدار المراسيم لم يأت من فراغ، فالمجلس الرئاسي، ومعه حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، يواجهان ضغوطا دولية وداخلية لإتمام الاستحقاقات الانتخابية، وهذا الواقع السياسي أعطى تفسيرا واضحا لتصرفات المجلس الرئاسي فخطواته كانت ـ”مناورة سياسية” تهدف إلى:

  • إحراج مجلس النواب وإظهاره كجهة معرقلة.
  • تثبيت الحضور السياسي للمجلس الرئاسي قبل طرح أي خارطة طريق جديدة.
  • فرض وقائع سياسية وقانونية جديدة على الأرض قبل اجتماع اللجنة الاستشارية الأممية المرتقب.

الانعكاسات

وما حدث لم يؤدِ إلى تقدم نحو الانتخابات أو المصالحة، بل زاد من حدة الاستقطاب المؤسسي، وأدى إلى تعميق الانقسام بين الغرب والشرق، وتعقيد مسار توحيد المؤسسات السيادية، إضافة لتآكل شرعية الأجسام السياسية أمام الشارع الليبي نتيجة صراعاتها المتكررة، وفتح أيضا الباب أمام تدخل أممي أكثر صرامة لضبط العملية السياسية.

موقف المجتمع الدولي

كان لافتا أن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا التزمت الحذر، مكتفية بالتأكيد على ضرورة تجنب القرارات الأحادية والتركيز على مسار الانتخابات، وهذا الموقف يوضح أن التراخي الدولي السابق في فرض الالتزام بخارطة الطريق ساهم في وصول الأطراف الليبية إلى هذه المرحلة من التنازع الحاد، في ظل غياب آليات تنفيذية تضمن احترام التفاهمات السابقة.

التصعيد بين المجلس الرئاسي ومجلس النواب لا يمكن فهمه إلا ضمن إطار أوسع من أزمة الشرعية والفراغ الدستوري الذي تعاني منه ليبيا منذ سنوات، فالمؤسسات السياسية في الغرب الليبي تسعى إلى تعزيز موقعها في ظل العجز الدولي وغياب سلطة رادعة أو قاعدة دستورية ملزمة، فعدم التوافق على مسار دستوري واضح يفضي إلى انتخابات شاملة هو نتيجة للمراسيم والقرارات المتسرعة التي تصدر سواء عن المجلس الرئاسي أو حكومة الدبيبة، وبسبب ذلك تبقى ليبيا رهينة المناكفات السياسية التي تغذي الانقسام وتُجهض أي فرصة للاستقرار.

بقلم مازن بلال

ليبيا تنضم رسمياً للبنك الإفريقي للاستيراد والتصدير

اقرأ المزيد