مجلس النواب الليبي دخل جولة جديدة من المداولات بشأن تشكيل حكومة موحدة، في خطوة اعتبرها مراقبون محاولة للرد على “المراسيم الرئاسية” الأخيرة الصادرة عن المجلس الرئاسي.
وكان أبرز هذه المراسيم المرسوم الذي يقضي بإنهاء العمل بقانون صادر عن البرلمان يتعلق بإنشاء المحكمة الدستورية، وهو ما اعتبره مجلس النواب تجاوزاً لاختصاصاته، ورفضه بشدة، واعتبره تصعيداً يهدد بتوسيع رقعة الخلاف بين المجلسين التشريعي والرئاسي.
وفي هذا السياق، قال النائب عبد المنعم العرفي في تصريح صحفي، إن مجلس النواب يملك القدرة على تشكيل حكومة موحدة رغم الجمود السياسي الذي يطبع المشهد، مشيراً إلى وجود “إجماع من بعثة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي على ضرورة تشكيل حكومة واحدة، لتوحيد المؤسسات وترشيد الإنفاق العام، في ظل حالة الانقسام السائدة”.
وتساءل العرفي حول مدى استعداد الأطراف المستفيدة من الوضع القائم للتفاعل مع هذه الخطوة، مضيفاً: “من غير الواضح إن كانت تلك الأطراف ستنخرط في العملية السياسية الجارية أم ستبحث عن عراقيل جديدة، وظهرت بالفعل مؤشرات ذلك من خلال إصدار المراسيم الرئاسية وخطاب رئيس حكومة الوحدة المنتهية ولايتها عبد الحميد الدبيبة، الذي أبدى رفضاً واضحاً لتسليم السلطة إلا لجهة منتخبة”.
وأشار إلى أن “هذه الأطراف تمثل العقبة الأبرز أمام تشكيل حكومة موحدة، لكنها في المقابل تواجه موقفاً دولياً موحداً يدعم إنهاء حالة الانقسام، وضرورة بناء مؤسسات مستقرة وقادرة على إدارة المرحلة القادمة”.
وفي تحليل سياسي للمشهد، قال الكاتب والمحلل السياسي الليبي، كامل المرعاش، إن خطوة مجلس النواب يمكن قراءتها بوصفها “ضربة استباقية” لمحاولات تُحاك داخل أروقة البعثة الأممية، وضمن خطط لجنتها الاستشارية، بهدف إخراج البرلمان من المعادلة السياسية، وتمهيد الأرضية لحكومة جديدة تعكس رغبات بعض القوى الدولية المتدخلة في الشأن الليبي.
وأضاف المرعاش: “الجهود البرلمانية لتشكيل حكومة موحدة قد تكون صادقة، لكنها ستظل قاصرة ما دامت ليبيا واقعة تحت تأثير دول إقليمية ودولية تتدخل في تفاصيل المشهد، وبعضها يملك وجوداً عسكرياً فعلياً على الأرض، إضافة إلى تحالفات مع ميليشيات مسلحة محلية تشل أي مساعٍ للاستقلال السياسي الحقيقي”.
ورأى المرعاش أن هذه المحاولات تصطدم بتعقيدات داخلية إضافية، قائلاً: “عند الحديث عن الأطراف الأخرى التي يُفترض إقناعها بالانخراط في مشروع الحكومة الموحدة، نجد أنفسنا أمام قوى غير متجانسة، مثل ميليشيات الغرب الليبي، والمجلس الأعلى للدولة المنقسم على نفسه، ومدن تتصرف كما لو كانت دولاً مستقلة”.
واختتم تحليله بالقول إن “جميع هذه الأطراف تعارض بشدة تغيير الوضع الراهن، لأنها تستفيد من استمراره، خاصة في ظل حكومة الوحدة الوطنية الحالية، التي فتحت لها المجال لممارسة الفساد والنهب، أما الدول المتدخلة في الشأن الليبي، فهي لم تحسم بعد موقفها من إنهاء الأزمة، لأنها تحقق مكاسبها الاستراتيجية بأقل تكلفة ممكنة”.
وفي ظل هذا المشهد المعقد، يبقى مصير التوجه البرلماني لتشكيل حكومة موحدة مرهوناً بتوازنات القوى الداخلية، وتوافقات الخارج، وسط تساؤلات حول قدرة الليبيين على تجاوز أزماتهم دون وصاية أو تدخل.
البنوك الأمريكية والدولية توقف معاملتها المالية مع مصرف ليبيا المركزي