16 مايو 2025

يشكل اكتشاف الجزائر لاحتياطيات الليثيوم في مايو 2024 محطة فارقة في مسارها الاقتصادي، إذ يُنظر إلى هذا المعدن بوصفه أحد الموارد الأساسية في التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة.

ومع توقع تضاعف الطلب العالمي على الليثيوم ثلاث مرات ليصل إلى 3.3 مليون طن سنوياً بحلول عام 2030، يصبح من الواضح أن الجزائر تمتلك فرصة استراتيجية للدخول إلى هذا القطاع كمزود رئيسي لهذه المادة الحيوية.

ورغم الآفاق الواعدة، تواجه الجزائر تحديات كبيرة قد تؤخر استفادتها الفعلية من هذه الثروة لسنوات أو حتى عقود، حيث أن قطاع التعدين في الجزائر ظل مهمشاً لعقود بسبب التركيز شبه الكامل على صناعة النفط والغاز، وهو ما انعكس على ضعف مساهمة هذا القطاع في الاقتصاد، حيث لم تتجاوز 0.6% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2016.

وأثر هذا الإهمال سلباً على تطوير البنية التحتية التعدينية وجعل البلاد تفتقر إلى الخبرة الفنية المطلوبة لاستخراج ومعالجة المعادن النادرة مثل الليثيوم.

وتدرك الحكومة الجزائرية حجم هذه التحديات، وقد بدأت فعلياً في اتخاذ خطوات لإصلاح قطاع التعدين وجذب الاستثمارات الأجنبية.

وخلال السنوات الأخيرة، أدخلت تعديلات تشريعية لتعزيز البيئة الاستثمارية، مثل قانون الاستثمار لعام 2022 وقانون المالية لعام 2023، كما أن مسودة قانون التعدين لعام 2024 وصلت إلى مراحلها النهائية، بهدف مواءمة الإطار التشريعي مع المعايير الدولية.

وبالإضافة إلى ذلك، تم استحداث مناطق حرة توفر إعفاءات ضريبية للمستثمرين، وتم إطلاق منصة رقمية لتسهيل الإجراءات البيروقراطية، إلى جانب تخصيص أراض مملوكة للدولة للمشروعات التعدينية.

ورغم هذه الجهود، لا تزال الجزائر تعتمد بشكل كبير على الشركات الأجنبية لنقل التكنولوجيا والخبرة اللازمة لتطوير مشاريع التعدين.

وجاء اكتشاف الليثيوم بالشراكة مع شركة “غانفينغ ليثيوم” الصينية، ما يعكس هذا الاعتماد، لكن في الوقت ذاته قد يثير تحديات جيوسياسية، لا سيما في ظل التنافس الدولي الحاد على المعادن الاستراتيجية، حيث يمكن أن يؤدي التعاون الجزائري-الصيني إلى تصاعد الضغوط الغربية، خاصة من الولايات المتحدة التي تسعى لتأمين سلاسل توريد الليثيوم بعيداً عن النفوذ الصيني.

ويرى المحللون أن الجزائر قد تحتاج إلى ما بين 10 و15 عاماً قبل أن تتمكن من استغلال موارد الليثيوم بشكل فعال، بسبب عدة عوامل، منها تعقيد عمليات استخراج هذا المعدن، وصعوبة إنشاء بنية تحتية متكاملة لمعالجته، فضلاً عن الحاجة إلى استقطاب استثمارات بمليارات الدولارات لتطوير القطاع.

ولكن في المقابل، فإن نجاح الجزائر في تجاوز هذه التحديات سيعني تحولها إلى قوة مؤثرة في سوق الليثيوم العالمي، ما سيمكنها من تنويع اقتصادها وتقليل اعتمادها على النفط والغاز.

يذكر أن هذا الاكتشاف، رغم ما يحيط به من عقبات، يفتح أمام الجزائر أفقاً جديداً لتحديث اقتصادها والانخراط في سوق الطاقة النظيفة العالمية.

ومع التوجه المتزايد نحو السيارات الكهربائية وتقنيات التخزين المتقدمة، قد تجد الجزائر نفسها في موقع استراتيجي يمكنها من لعب دور محوري في الاقتصاد العالمي الجديد، بشرط أن تنجح في تنفيذ الإصلاحات الضرورية وتعزيز قدرتها التنافسية في هذا المجال الحيوي.

توثيق نادر لفهد “أمياس” في صحراء الجزائر يحفز جهود الحماية البيئية (فيديو)

اقرأ المزيد