30 يونيو 2025

فتح حكم المحكمة العليا الليبية بإلغاء “ضريبة الجهاد” أسئلة مختلفة، فهو خلق صدمة في الأوساط السياسية والقانونية، وأنهى نصف قرن من الاستقطاع المالي الإجباري من رواتب الليبيين، لكنه أثار سؤال حول مصير هذه الأموال التي جُمعت على مدار العقود الماضية؟

الخلفية التاريخية لضريبة الجهاد

تم فرض ضريبة الجهاد عام 1970 بموجب القانون رقم 44، وكانت تهدف إلى دعم “جهاد العالم الإسلامي ضد القوى الاستعمارية”، وذلك عبر صندوق خاص يعرف بـ “صندوق الجهاد” الذي أُعيد تنظيمه في عام 1972، وبقيت هذه الضريبة على امتداد خمسة عقود يتم اقتطاعها بنسبة تتراوح بين 1% و3% من رواتب المواطنين، بالإضافة إلى فرضها على أرباح الشركات والدخول المختلفة.

كانت الضريبة جزءاً من التوجه الاستراتيجي لمرحلة القذافي، وحملت معها بعداً أيديولوجياً ارتبط بالسياسات الليبية،فهو لم يكن مجرد إجراء مالي بل حكم التوجهات الدولية للحكومة الليبية، حيث كانت ليبيا في ذلك الوقت تدعم حركات تحرر مختلفة حول العالم، لكن مع سقوط نظام القذافي في 2011، استمرت هذه الضريبة رغم أنها فقدت مبرراتها السياسية، إلى أن أصدرت المحكمة العليا الليبية في مارس 2025 حكماً نهائياً بعدم دستوريتها.

الجدل القانوني والاقتصادي حول الضريبة

منذ إقرارها، واجهت ضريبة الجهاد معارضة متزايدة، سواء من قبل القانونيين الذين رأوا أنها غير دستورية، أو من المواطنين الذين اعتبروها عبئاً غير مبرر،ومع تراجع الدور السياسي الليبي على الساحة الدولية وتقلص حجم دعم الحركات الإسلامية، وكان للضريبة إقتصادياً تأثير مزدوج: فمن جهة، استنزفت دخل المواطنين، لا سيما في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية المتردية، كما شكّلت مصدر تمويل خفي استخدمته الحكومات المتعاقبة بطرق غير شفافة.

وحسب القانون الناظم لهذه الضريبة كان من المفترض أن يتم توزيع إيرادات الضريبة على عدة جهات، منها:

  • جمعية الدعوة الإسلامية 20%.
  • صندوق الجهاد25%.
  • صندوق التضامن الاجتماعي15%.
  • هيئة أسر الشهداء والمفقودين 5%.
  • الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية 5%.
  • وزارة المالية لدعم الموازنة العامة30%.

عملياً فإن غياب الرقابة الفعالة على عمليات التوزيع، وغياب الشفافية خصوصاً بعد عام 2011، فإن مصير الأموال المقتطعة لضريبة الجهاد أصبح جزء من ظاهرة الفساد المستشرية، حيث لا توجد تقارير موثوقة توضح ما إذا كانت هذه النسب قد طُبقت بالفعل، أو كيف تم التصرف في الأموال، فهناك احتمالات فقط لمصير المبالغ المقتطعة، حيث تضعها بعض التقارير في أربع بنود أساسية:

  1. التمويل الخارجي: فمن المعروف أن القذافي كان يستخدم جزءاً من عائدات ضريبة الجهاد لتمويل جماعات مسلحة ومنظمات سياسية في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، ومع سقوطه، لم يعد لهذا التمويل وجود، ما يثير التساؤل عن مصير المبالغ التي استُقطعت بعد 2011.

2- سوء الإدارة والفساد: رغم مرور عدة حكومات بعد سقوط القذافي، لم تتوفر أي شفافية بخصوص صندوق الجهاد، فهناك تقارير غير رسمية تشير إلى أن بعض الأموال اختفت بسبب الفساد وسوء الإدارة، خاصة في ظل الحكومات المؤقتة التي سيطرت على المشهد السياسي في الغرب الليبي.

  1. تحويل الأموال إلى الموازنة العامة: كان هناك 30% من أموال الضريبة تُحوّل إلى وزارة المالية، ولكن مع انهيار الاقتصاد الليبي وتراجع أسعار النفط، من غير الواضح ما إذا كانت هذه الأموال استُخدمت فعلاً في تحسين الأوضاع المعيشية، أم أنها اختفت داخل حسابات الدولة دون أثر ملموس.
  2. استخدام محدود لصالح أسر الشهداء والمصابين: رغم أن نسبة 5% من الضريبة كانت مخصصة لأسر الشهداء والمفقودين، فإن كثيراً من العائلات الليبية لم تتلق أي تعويضات أو دعم حقيقي، ما يعزز الشكوك حول توجيه هذه الأموال.

المطالب بإجراء تحقيق مالي

بعد قرار المحكمة، طالب العديد من السياسيين والناشطين بفتح تحقيق شامل في مصير أموال ضريبة الجهاد، وشددوا على ضرورة مراجعة حسابات الصندوق منذ إنشائه وحتى الآن، ودعا بعض الخبراء إلى إعادة الأموال المستقطعة إلى المواطنين، أو توجيهها لمشاريع تنموية تخدم الشعب الليبي، لكن الجانب الآخر هو أن إلغاء الضريبة يحمل معه تداعيات سياسية واقتصادية يمكن رصدها في:

  • الضغط على الحكومة: وضع هذا الحكم أمام الحكومة تحدٍ كبير، فأصبحت أمام استحقاق في تفسير أين ذهبت الأموال طوال العقود الماضية، وكيف ستعوض المواطنين عن هذه الاستقطاعات، وهذا الأمر يشكل محاسبة ليس فقط لمرحلة القذافي، بل لحكومة طرابلس المنتهية الولاية برئاسة عبد الحميد الدبيبة.
  • إعادة النظر في التشريعات الضريبية: يفتح هذا الحكم مساراً نحو مراجعة قوانين أخرى مشابهة، خصوصاً تلك التي تفرض ضرائب غير مبررة على المواطنين، فضريبة الجهاد التي انتهت مبرراتها لكنها بقيت لأكثر من عشر سنوات تكشف عن أن الإجراءات المالية الليبية المعتمدة حالياً تحتاج لمراجعة جديدة.
  • تأثير على الإيرادات الحكومية: رغم أن إلغاء الضريبة سيخفف العبء عن المواطنين، إلا أنه سيقلل من الإيرادات غير النفطية للدولة، ما يدفع الحكومة إلى البحث عن بدائل أخرى لسد الفجوة المالية.

قرار المحكمة العليا بإلغاء ضريبة الجهاد يمثل خطوة مهمة نحو تصحيح المسار القانوني والمالي في ليبيا، لكنه يفتح الباب أمام العديد من التساؤلات التي لا تزال بحاجة إلى إجابات واضحة، ابتداءً من مصير هذه المليارات من الدنانير التي جُمعت طيلة العقود الماضية، وصولاً إلى الوسائل المتاحة لاستعادتها، ومن المسؤول عن إدارتها بشكل غير شفاف؟

الأيام القادمة ستكون حاسمة، فمن المتوقع إجراء تحقيقات أوسع أو حتى مطالب شعبية بإعادة الأموال إلى مستحقيها، وبينما تمثل هذه الضريبة صفحة من الماضي الليبي، فإن كشف حقيقتها سيكون المفتاح لإصلاح نظام مالي أكثر شفافية في المستقبل.

بقلم: نضال الخضري

 

ليبيا.. اتفاق مبدئي بين مجلسي النواب والدولة على حل أزمة البنك المركزي

اقرأ المزيد